أزمة طاحنة , أطراف متصارعة , أشخاص يظنون على حق وهم على باطل , وكثيرون لا تتردد على ألسنتهم سوى بضع كلمات جاءت على لسان أحد أبطال أفلامنا العربية ” هو منين بيودى على فين ! ” , وتسمحولى أعيط ” .
لا أدرى لماذا تذكرت فيلم ” رجب فوق صفيح ساخن “, وأنا أتابع ما حدث بالأمس على شاشات التلفاز , وفى الشوارع , أثناء احتفالات المصريين , بالذكرى الأربعون لنصر أكتوبر المجيد , لم يغيب عن ذاكرتى مشهد الفنان ” عادل إمام ” الذى مثل شخصية ” رجب ” , ولسان حاله يقول ” هو منين بيودى على فين , أنا عاوز أعيط ” , فهذا هو حال أغلبنا الذى أصبح لا يعي شيئاً , ويريد البكاء وبشدة على ما آلت إليه أمور البلاد والعباد .
قد يقول البعض أن الموجة الثورية التى قامت فى نهاية يونيو الماضى , ضد نظام الإخوان هى السبب فى الأزمات المتلاحقة التى نعيشها الآن , لكن الحقيقة أن ما حدث لم يكن أبداً انقلاباً , بل كانت موجة جديدة لثورة الخامس والعشرين من يناير , انحاز لها الجيش , وعزل الرئيس السابق ” محمد مرسى ” , وعين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار “عدلى منصور ” رئيساُ مؤقتاً لإدارة شئون البلاد , أي أن الجيش لا يحكم هو فقط انحاز لإرادة الملايين التى خرجت لإسقاط نظام الإخوان , الذى كان فاقداً للشرعية بعد سلسلة الإخفاقات والوعود الزائفة .
من منا ينسى وعود الـ 100 يوم , والمتمثلة فى حل أزمات ” الوقود , رغيف الخبز , أزمة المواصلات , القمامة , الأمن ” , والتى وعد الرئيس السابق بحلها ولم تُحل أى منها , من منا يستطيع تجاوز الأزمة التى أحدثها نظام الإخوان بشق صف المصريين , وزرع فتنة طائفية بين أبناء الوطن الواحد , وأبناء الدين الواحد , بعد أن قسم المصريين إلى ” مسلم إخوانى مصرى ” و ” مسلم مصرى فقط ” .
من منا يستطيع استيعاب , وصم المعارضين لسياسات الإخوان بتهم كـ ” الكفر والإلحاد ” , من منا يستطيع نسيان أن النظام الذى ارتدى عباءة الدين وهو منهم براء كان نظاماً كاذباً , وكانت كذبته الأشهر هى ” مشروع الفنكوش ” , المعروف إعلامياً باسم ” مشروع النهضة ” , والذى خرج علينا المهندس ” خيرت الشاطر ” النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ليقول , أن الإعلام هو من ضخم ” مشروع النهضة ” , الذى لا يتعدى كونه أفكار فقط على الورق ولم تُصاغ على أيدى المتخصصين , كما سوقت له جماعة الإخوان بنفسها فى حملاتها الانتخابية للرئاسة ! .
كل الأسباب السابقة وأسباب أخرى كثيرة و كانت سبباً فى خروج الموجة الثورية نهاية يونيو الماضى , والتى كانت حشوداً هائلة وصفتها وكالات الأنباء العالمية بأنها ” طوفان من البشر يجتاح شوارع مصر ” ! .
كما قال ” درويش ” , ” نحن لم نحلم بحياة أكثر من الحياة ” , حَلُمَ المصريين بحياة كريمة , بدون إهانة أو تكفير , بدون خوف أو قلق من القادم , خرجوا فى نهاية يونيو الماضى اعتقاداً منهم بأنهم سيضعون حداً لآلامهم , لكن ما يظهر الأن على الساحة السياسية فى مصر لا ينبأ بأى خير , خصوصاً بعد ظهور المشير ” طنطاوى ” فى الصفوف الأولى لاحتفالات نصر أكتوبر المجيد , والذى كان علامة استفهام كبيرة جعلت الكثيرين فى حالة ذهول من هول المفاجأة , ” طنطاوى ” بطل اشتباكات ” محمد محمود , مجلس الوزراء ومن قبلهم ماسبيرو فى الصفوف الأولى لاحتفالات أكتوبر المجيد ! , صحيح أن الرجل غير مدان ولا يمثل أمام أى محكمة , لكنه مدان ثورياً من قبل الثوار الذين مات اخوانهم وأصدقائهم فى عهد طنطاوى .
خوف من نوع أخر انتابهم بعد محاولة بعض مؤيدى الشرعية المزعومة , وبعض المنتمين لجماعة الإخوان , اقتحام ميدان التحرير بالأمس , والذى كان قد تجمع فيه آلاف من المصريين , للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد , لكن محاولات الإقتحام باءت بالفشل , وانتهى اليوم بـسقوط 53 قتيلاً و 271 مصاباً حسب أخر تقرير أصدرته وكالة أنباء الشرق الأوسط .
لا أحد يدرى على أى حال ستنتهى الأمور , ولا أحد يعلم بالضبط ماذا ينتظرنا فى المستقبل , ولا أحد يستطيع التكهن إذا ما كان القادم خيراً أم شراً , وإلى هذا الحين سأردد مع ” رجب ” الجالس فوق صفيح ساخن , ” هو منين بيودى على فين ف البلد دى ” , بربكم أليست كل هذه أسباب تدعو للبكاء ” سيبونى أعيط ” .